ليست الكهانة وليدة العقلية العربية أو البيئة العربية؛ وإنما هي ظاهرة قديمة عرفتها الأمم جميعها، فمن العبث إنكارها، ثم إنها ثابتة في القرآن والحديث النبوي، وما كان لله عز وجل ولا للنبي أن يخاطبا العرب بشيء لا يعرفونه، ومن جنس ذلك العبث جعل الكهان الجاهليين خرافات وأساطير، فأقدم المصادر الدينية والتاريخية والأدبية ذكرت الكهانة، وذكر الكهان كذلك في الشعر العربي من لدن الجاهلية كثير؛ فالكهانة أقرب ما تكون من مرحلة تاريخية في حياة أمتنا أيام لم يكن لها من تتحاكم إليه. لم تكن الكهانة في الجاهلية ديناً يدان، ولم تعطل حيوات المشتغلين بها؛ فكان من الكهان الأمير والملك والفارس والخطيب والشاعر، كما لم تترك المرأة الجاهلية الكاهنة للكهان الجاهليين مجالاً ينفردون به؛ حتى الحروب خاضتها وتكهنت فيها. وقد جمع هذا البحث ما تشتت من آثار الكهان العرب الجاهليين وأخبارهم وأسجاعهم وأشعارهم وتناولها بالدرس والتحقيق، فعساه بهذا الجمع يفتح الأبواب أمام الدارسين لدراسات جادة تبنى على ما انتهى إليه.
