ي فاتحة مقدمته التي وضعها لمؤلفه “المكتبة التاريخية “، يشير ديودوروس الصقلي إلى الأهمية الفائقة التي تتميز بها المؤلفات التي
تتناول التاريخ العام، ويثني على مصنفيها لأنهم سعوا بأعمالهم إلى مد يد العون
للجنس البشري. بمعنى آخر، إن ديودوروس الصقلي يتصور التاريخ العالمي انطلاقا من
بدهية الفلسفة الرواقية عن العيش المشترك للجماعات البشرية، عن المواطن الكوني،
وهو ما يفضي بنا إلى فكرة وحدة ارتقاء المجتمعات البشرية. يؤكد ديودوروس في
مؤلفه هذا على أن تجربة البشرية وخبراتها إنما تتشكل بفضل المؤلفات التاريخية
التي تنقل المعارف عن نجاحات الناس واخفاقاتهم،وعن كل تجربة فردية على حدة. لكن
بما أن كل تجربة فردية هي بالنسبة إلى ديودوروس تجلي التواصل بين الفرد والآخر،
سواء كان هذا الآخر فردا أو جماعة، لذلك فإنه لا يرى في تشكل تجربة البشرية مجرد
جمع آلي للتجارب الفردية. ففي تصوره أن شمولية التاريخ البشري مشروطة بالادغام
الداخلي لكل تجربة بشرية، كما يرى فيها أيضا لحظة من لحظات التناغم والتناسق
الكوني التي يتجلى فيها فعل العناية الالاهية.