إن تجريدية الفكر الصهيوني لا تاريخيته ولا عقلانيته لها جذور قوية في أسطورة أرض الميعاد والمسيح المنتظر. فالفكر الصهيوني نما
وترعرع في تربة الفكر الديني اليهودي المحافظ، ولذلك فعلاقة بنية الفكر الصهيوني
بالأساطير الدينية علاقة قوية. بل إنه يمكننا القول إن الفكر الصهيوني لا يستغل
الدين اليهودي بشكل تقليدي وحسب، بل إن بنيته الفكرية ذاتها تشبه من وجوه عدة
بنية الأساطير اليهودية القديمة. (على عكس علاقته بالأفكار السياسية المختلفة،
فهي علاقة واهية للغاية تشبه علاقة الجوهر بزخارفه الخارجية وليس بتجسيداته
المحسوسة). إن الصهيونية هي فكر سياسي يأخذ شكل بنية فكرية منسقة لا تختلف في
تركيبها كثيراً عن الأساطير اليهودية الدينية. وإن هذه البنية السياسية تستغل
الدين اليهودي لتكتسب بعداً تاريخياً وإنسانياً، كما أنها تستغل كثيراً من
الأفكار السياسية العلمانية والثورية لإضفاء صبغة علمانية أو ثورية على نفسها.