رواية رأس الملاح للكاتب التونسي حسام بن حمودة، الحاصلة على المركز الثالث لجائزة الشارقة للإبداع العربي، تندرج ضمن الأعمال السردية التي تحتوي بين دفتيها على وعي نقدي ثاقب بنفسها، كما تجاه النصوص الأخرى التي تكتب في عصرها. ما يمكن أن ينظر إليه كبذرة مشروع أدبي يتفاعل صراحة وتلميحا ومع واقع الأدب في زمنها. نعتمد في قراءتنا هذه للرواية، مقاربة شهيرة صاغها الروائي الحائز على نوبل، التركي أورهان باموق، وقدمها بطريقة شيقة في سلسلة محاضرات تشارلز إليوت نورتون ألقاها في جامعة هارفرد 2009، ثم جمّعت في كتاب تحت عنوان "الروائي الساذج و الروائي الحسّاس". والمحاضرة المذكورة كما يقول صاحبها، مستلهمة بدورها من مقال معروف للشاعر و الناقد الألماني فولغانغ شيلر ظهر لأول مرة سنة 1895، و قام فيه بتقسيم الشعراء إلى صنفين: الأول ساذج: أي بسيط، مباشر، تلقائي، موهوب، مبدع بطريقة مفاجئة حتى له، و الثاني حسّاس: ذو حسّ نقدي، قويّ الملاحظة، يحمل همّا إبداعيا، يحفر في القصيدة و يبحث دائما عن التجديد. يخلص باموق في نهاية محاضرته أن أي عمل إبداعي، روائي خصوصا، يقترب من الكمال كلما تمكن صاحبه من الجمع بحكمة و سلاسة بين النقيضين: السذاجة بشاعريتها المتدفقة، والحساسية بصرامتها و ذكائها.