عندما كنت طالباً في كلية الطب، كنت أسمع وأقرأ عن فضائح الخنزير التي لا تنتهي، واضطررت لمسايرة هذا التيار العارم الذي ينادي بوبائية الخنزير حتى لا اُتهم بالتواطئ مع هذا الحيوان النجس. أما في قرارة نفسي، فكنت أعرف أن كثيراً من مسببات الأمراض التي تنتقل عن طريق لحم الخنزير، كالدودة الشريطية، من الممكن أيضاً أن تنتقل عن طريق لحم البقر والسمك. بل أكثر من ذلك، وجدت أن هذا الحيوان أنقذ حياة كثير من المرضى، فقد مد مرضى السكري بمادة الإنسولين، ومد مرضى القلب بالصمامات، ومد مرضى هشاشة العظام بمنظمات الكالسيوم، ومد مرضى الدم بمضادات التخثر.
وبشكل مشابه، لا يزال البعض إلى يومنا هذا يصر على نسبة الصرع إلى الجن والعفاريت على الرغم من كونه مرض عضوي سببه نشاطات عصبية غير طبيعية في الدماغ يمكن إيقاف حدوثها بحبة دواء واحدة، وقد أنكر كثير من العلماء -مثل الجصاص والرازي والقفال وأبويعلى الحنبلي- وجود صرع من هذا النوع، بل إن ابن حزم شنع على من ينسب كلام المصروع للشيطان، وقال إنه من مخاريق العزامين الذي لا يجوز إلا في عقل ضعفاء العجائز. ومع ذلك لم يصدق أحد الباحثين المعاصرين كلام ابن حزم، فأجرى دراسة ميدانية -مستعيناً بأشخاص يتحدثون لغات مختلفة- ليكتشف بأن الممسوس لم يكن يتحدث بلغة أجنبية في وقت التلبس، بقدر ما كان يصدر موجات من الهذيان والرعشات المصاحبة لتغيرات نبرة صوته.
دفعني الفضول إلى دراسة المقدس لمعرفة حقيقة قدسيته، وضعت قريباِ من خمسة عشر دواء من أدوية الطب النبوي كالعسل وحبة البركة والحجامة والأثمد وأبوال الإبل وغيرها تحت مجهر البحث التاريخي والعلمي. ثم تعرضت لتحليل مفاهيم شائعة لها علاقة وطيدة بالطب الحديث كعلاج الأمراض العضوية بالقرآن وحقيقة فوائد الكحول وأضرار العادة السرية وخواص ماء زمزم ومكانة جناح الذبابة وتأثير الأحجار الكريمة وعلاقة الاكتئاب بالدين وغيرها.
