اجتياز صحراء الرّبع الخالي المُهلكة، مغامرة عُظمى ظلّت تتردّد في أذهان رحّالي الإنكليز كافّة، إلى أن تمكّن منها في النّهاية المغامر الجسور برترام توماس الذي كان وزيراً لدى سُلطان عُمان، فتوجّه إلى ظُفار عام 1928 ثم اجتاز الرّبع الخالي عام 1930. تلاه هاري سنت جون فيلبي في عام 1932، ثم ولفريد ثِسيجَر فاجتازه مراراً بين 1946-1948، فكان بحقّ آخر جيل رحّالي أوروبا الأصيلين في جزيرة العرب. اجتمعت فرقة هذه الرّحلة في صلالة بظُفار، وتألفت من ثمانية وعشرين قبيلياً، كما كان توماس مجهّزاً تجهيزاً كاملاً بالأدوات العلمية بشكل فاق سابقيه في استكشاف جزيرة العرب، فحمل بالإضافة لآلات التّصوير بوصلة منشورية ومقياس الضغط الجوي ومقياس الرّطوبة والسّدسيّة ومؤشّر الوجهة ومقياساً زمنياً. ارتدى الزّي البدوي في هذه الرّحلة، وتجنّب تعاطي التّبغ والكحول لكسب سمعة استقامة ساعدته إلى أقصى حدّ. تأقلم حينها جسدياً لمغامرته الأخيرة الكبرى لقطع الصّحراء الكبرى من البحر إلى البحر، وقد تجهّز تجهيزاً رائعاً بالمعرفة وبإجادة اللهجات العربية العامّية وبخبرة طويلة بالأقوام العرب وفهم عاداتهم وتقاليدهم. ولدى احتساب المسافات المجتازة، فعلى المرء أن يسير بين لندن وبرمنغهام ست مرّات ليعادل بشكل تقريبي مسافة الصّحراء التي غطّاها توماس في إحدى حملاته الاستكشافية.
