كلُّ شيءٍ في الوجود يحدث بالتفاعل والحوار، بدءاً من حركة الشَّمس والكواكب، مروراً بحركة الرِّيح، وظاهرة البرق والرَّعد بالتفاعل بين السالب والموجب، وصولاً إلى تشكُّل النّطفة ومراحل تطوُّر كائن الحبِّ، والثمرة الناتجة من غبار الطلع والمدقَّة في نوارة الشجرة، وقد يكون الحوار مع النفس قبل الحوار مع الآخر، وكلُّ فنّانٍ لا يبدع قصيدته، أو قصَّته، أو لوحته، أو معزوفته الموسيقيَّة إلَّا بالتَّفاعل والحوار بينَ المُبدِع والواقع المحيط به أو بينه وبين الخيال قبل أن يصل إلى المتلقِّي، وربَّما كان الحوار بين الرِّيح وغابة القصب من أقدم لغات الطَّبيعة، ومن هذا المنطلق اخترتُ العنوان، وكنتُ متردَّدةً بين عبارتين: "في البدء كان الحوار" أو "في البدء كان السُّؤال"، وفي تقديري أنَّ دلالة الحوار أرحب وأعمق وأغنى، على الرغم من أهمِّيَّة السُّؤال ودوره الأساسي في إثارة الحوار، وربَّما كان النَّواة الكامنة في خليَّة الحوار، وحتَّى أجسامنا تتشكَّل من الحوار العضويِّ الحيِّ داخل الخليَّة.
