كان لدينا انطباع باحترام منطقةٍ حرةٍ بين الطبيعة والإنسان. كان الطريق الذي قطعناه لنترك وسط البلدة وراءنا عبارة عن فاصل بين أشجار الزيتون وبعض حقول العنب. وهناك في الأفق، كان يرتفع جدار المقبرة الجديدة، وبينما كنا نعبر الحقول التي أضفت عليها الشمس اللون الأصفر، وقعت عيناي على قطرات الضباب التي تتدلى من أوراق العشب وتتمايل مثل اليراعات، على جذوع أشجار الزيتون، وعلى موجات الضوء التي تخترق البطانة الرقيقة من الغيوم وتغشي عينيَّ. هنا وهناك، بعض التفاصيل السخيفة مثل المجموعات الصغيرة من كبار السن عند مفترقِ الطرق الذين كانوا يُومئون برؤوسهم دائمًا بسبب لازمة اهتزاز الرأس، أو أكوام القمامة التي تجعل الجدران الجيرية قبيحةَ المنظر على رأس الحقول، أو مشهد الفلاحين وهم يحنون ظهورهم نحو الأرض لجمع الأغصان، كانت توقظ بداخلي الشك في أن الجمال قد هَجر هذا العالم، أو بالأحرى أن الجمال ربما كان نقطة انطلاقه الأصلية، لكن الزمن والشيخوخة والفقر أو الخبث كانوا سببًا في تشويهه، قطعة بعد قطعة".
