في عالم من الرعونة والتغريدات الفارغة ذات الطابع "الكارداشياني"، انتمى هو إلى زمن أكثر قدمًا؛ حيث اعتاد الناس الجهر بما يدور في أذهانهم دون تحوير؛ إذ تحلى بتفكير واضح، ويقين أخلاقي وفكري لم تشوشه صراعات العصر الحالي. لكنه بدأ ينتابه الشعور وكأنه دخيل على هذا العصر، كأنه غريب في أرض تزداد غربة عنه. وقتما كنا نقعد ونتحدث عن الأشياء التي أثارتني في عالمنا سريع التغير من حولنا - كل شيء بداية من الذكاء الاصطناعي وصولًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي والطبيعة المتطورة للهوية الفردية - يبتسم ابتسامة العارف ويقول: "آه يا عزيزي نيك، أنا سعيد لأنني لن أعيش طويلًا بمــا يكفـي لرؤية هذا العالم الذي تصفه". لم يفهم والدي ذاك العالم الغارق في التكنولوجيا، ذلك العالم الذي لا ينظر فيه الناس إلى أعين بعضهم البعض، بل يظلون منكسين رؤوسهم أمام الشاشات لساعات طوال، شاعرين بالضياع والفراغ. كره والدي هوسنا بالتكنولوجيا. كان بستانيًّا مخلصًا طوال حياته، يحب طهي الطعام للجميع تعبيرًا عن محبته، وكان يوبخني لأنني أستمر في تفقد هاتفي لمطالعة رسائل العمل في أثناء زياراتي له. كان يقول: "عزيزي نيك، توقف عن النظر إلى هذا الشيء الغبي واحضر معنا، ما دمت قدمت إلينا". لم يسمع قط كلمة الوعي التام التي يُروج لها كثيرًا، ولم يسبق له قراءة كتاب Be Here Now للكاتب "رام داس"، لكنه فهم الأمر - بل ربما فهمه أفضل من الكثيرين. كان يضحك عندما أخبرته بأن هناك مناطق في اليونان - والمعروفة بـ"المناطق الزرقاء" - مشهورة بطول عمر ساكنيها، وأنه قد يثبت خطأ الأطباء ويعيش لسنوات أطول مما توقعه الأطباء، مثل والده، الذي عاش بصحة جيدة حتى التسعينيات من عمره، فيرد عليَّ قائلًا: "لا أعرف شيئا ألبتة عن المناطق الزرقاء أو الحمراء، لكنني أعرف أنني أعيش الوقت الحاضر. كما أعرف أيضًا أننا عشنا حياة أبسط؛ حياة أكثر إنسانية من تلك الهراءات التي تعيشونها اليوم... لا يُفترض بالناس أن يعيشوا هكذا".
