يعتبر الإصدار الأول لأي شاعر بمثابة العتبة الأولى له على السلم الإبداعي، وكما يعتبر نقطة التحول في مسيرته الحياتية في عالم الكتابة. نقدم لكم المجموعة الشعرية الأولى للشاعر الفلسطيني نزار أبو ناصر بعنوان بدل فاقد، الصادرة عن دائرة الثقافة. احتوى الديوان على مجموعة من القصائد التي انتمت إلى الشكل التفعيلي والعمودي، وهذا يتأتى عن تجربة تخطو خطوات نحو القصيدة العربية المموسقة المصحوبة بإيقاع الروح والحياة. القصائد التي اشتمل عليها الديون هي: (من أقاصيص الحياة، بدل فاقد، حين لا يتفلسف الشعر تتفلسف القهوة، الحروف خبط ردائي، كثيرا بنا الصمت، يوم عادي على المعبر، سقوط حر، شهقة، أبحث عن نص، صورة الطلاق، سلّة لفاكهة الليل، الفصل الحزين، قبل الفراق بفكرة، رهين الخرستين، لغة على مرجل الماء، قميص يعطره الاختلاف، مخ تلف، غصة عين، العشق المخبوز، الشعر حين يتأخر عن موعده، صورة فوتوغرافية من سفر قديم، وصوما مقبولا يا حزني). في هذا الديوان نلاحظ أن الذات الشاعرة تتجادل وتتماهى مع الشغف الطفولي والحزن الممزوج بوجع الغربة والترحال، حيث يمضي بنا الشاعر على أجنحة قصائده إلى تأملاته وتراكيبه الجديدة في بناء جملته الشعرية المشحونة بعاطفة نابعة عن حالات عايشها الشاعر في معترك الحياة، لغته مناسبة شفيفة واضحة تخفي خلفها عمق الرؤيا تجاه الأشياء المحسوسة. في المقابل نجد في ثنايا الديوان الإيقاع واللغة المكثفة وإيقاعها المبهر الذي ينم عن دراية ومراس في الكتابة الشعرية ومعرفة بالأوزان والتحكم بها في البناء وصياغة جمله الشعرية التي تدهشك وتصحبك إلى مشهدية درامية مشتبكة مع التفاصيل الدقيقة لأتون الحياة، وتبدو تجليات الشاعر في الكشف عن معنى الأمل والذكريات والحب والسفر وحالات الانتظار، كما يقول «السكوت يعتاده الحذر» فهو شاعر حذر في انتقاء وبناء وصياغة لوحاته الشعرية، ففي قصيدته التي تحمل عنوان ديوانه «بدل فاقد» ثمة بوح وتجلّ مغلف بالغياب والفقدان والوجد الروحي الدال على تأملاته ورؤاه العميقة للداخل الإنساني الذي انطلق منه شاعرنا أبا ناصر ليضعنا أمام أسئلة الوجود وصوفية القول الشعري من خلال هذه الحوارية الشعريةا المتأملة للجمال مع الحبيبة، أحاسيس ومشاعر مغلفة بالأمل العشق والوطن والحياة، بالرغم من هذا الحزن إلا أن الشاعر يترك فسحة أمل لنا تشي بالفرح. ديوان (بدل فاقد) ثمة اغتراب، وعشق، واختلاف، وحزن، وسخرية، ورؤى في الرؤيا، وفلسفة تتجادل مع روح معذبة تطرح في مضامينها أسئلة خفيّة مضمرة في نفسية وذهنية الشاعر. «بدل فاقد» عمل شعري بلغته السلسة و البسيطة، يبقى هذا العمل جواز سفر للمرور بقوة بوابة الإبداع الشعري، تجربة شعرية بحاجة إلى القراءة وتسليط الضوء عليها، نزار أبو ناصر شاعر يكتب ما يختزن ويعتمل بذاكرته من تموجات الروح وانشغالاتها، يبوح بمقام روحه حالما دوما بشهقة حب.
