ما يلفت في تجربة الشعر السوداني هو تشابهها مع العديد من التجارب العربية الأخرى من حيث الصراع بين القديم والحديث, بل إن جوانب من التجربة السودانية سبقت تجارب عربية ذائعة الصيت. الكتاب يضيء بعض هذه التحولات وأهمها تجربة الشاعر الأمين علي مدني في عشرينات القرن العشرين الذي أصدر ما يشبه البيان في كتابه "أعراس ومآتم" (1927) موضحا فيه مفهومه للقصيدة الحرّة: "أنا شاعرٌ أطير بأجنحتي الأثيرية في الفضاء, محلقا في سماء الحرية, مترنما بأناشيد الوقت, منصرفة أذني عن أغنية الماضي وعن ألحان المستقبل, فأنا شاعر الساعة. أنا شاعر بلا قيد أو شرط, لا أعرف الوزن ولا أجيد القافية, ولا أستطيع أن أحرق عواطفي بخورا أمام عظمة الأمراء وأبهة الأغنياء وتيه الوجهاء, أنا شاعر مجنون".