كان للثناء على هذا البحث باعث مغرٍ على دراسته؛ إذ قلما خلت المصادر العربية من الإشارة إلى الحريري ومقاماته. مظهرة بذلك الأثر الواسع لمقاماته في الكثير من الأساليب النثرية، وقد تساوى مؤرخو الأدب والنقاد القدماء والمحدثون في إجلالها وإبراز قدرها، كما أفرد لها المستشرقون حيِّزاً واسعاً من ثنائهم، ومن ذلك حديث بروكلمان عن مقامات الحريري بقوله: ( وقد بلغ النثر الفني ذروته في مقاماته، وأنها آخر ما تفتّق عنه العقل العربي، فهي شي يبهر العيون ويسحر العقول ). وقد كان من أبرز الشروح على هذه المقامات؛ شرح المطرزي، فهو قريب العهد بوفاة الحريري؛ وهو يتفوق الشرّاح لأنه أديب بارع، ولغوي كبير، ومن أفضل فقهاء الحنفية، فضلاً عن كونه رأساً في الاعتزال. وقد عثر الباحث في هذا الشرح على ضوالّ منشودة، فهو أشبه ما يكون بمعجم موسوعي؛ إذ حوى تفسيراً لعدد من الآيات القرآنية، وشرحاً لغريب الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، فضلاً عن شرحه للغة المقامات، حتى إننا لنجد في الصفحة الواحدة: آيات قرآنية وأحاديث ولغة وأعلاماً وأمثالاً وأخباراً، واتى ذلك كله بألطف وضع، وأقرب مأخذ، ووفق أسلوب رائق عذب، كسر من جمود الشرح اللغوي المعجمي ورتوبه.