يبدو أن المجتمع النّيتشوي المُبَشّر به هو مجتمع مُسالم، يَسود فيه الوئام والمساواة واللاعنف يقول نيتشه في كتاب ما وراء الخير والشر: «إن الامتناع عن العنف والانتهاك والاستغلال المتبادل»، والمساواة بين «إرادة الذات وإرادة الآخر، يمكن أن يصيرا من مكارم الأخلاق». تتساءلون: أين هو نيتشه صاحب فلسفة القوّة؟ أين التّعنيف والإرهاب؟ ها هو ذا صاحبنا يتحدث، بكلّ طلاقة، عن السلم والأخوّة ومكارم الأخلاق. لكن المَقلَب الذي ينتظرنا هو أن نيتشه لم يُحطّم أي شيء، لأن "الامْتناع عن العنف والانتهاك والاستغلال المتبادل"، في نظره يقتصر فقط على الأفراد المتساوين، كما يقول، "في مقدار القوة ومقياس القيمة وتعاضدهم ضمن جسم واحد". أمّا إذا تعلّق الأمر بأشخاص مغايرين في الرتبة والقوة، فإن هذه المعاملات تفقد مشروعيّتها، لا يجوز بتاتا تفعيلها على أرض الواقع، والخطأ الأكبر هو أن يخضع المجتمع إلى ابتزاز الحداثيّين الداعين للمساواة الشاملة. إنه فكر إرهابي تَنْكيلي للدرجة القصوى، وأنا أعجب أشدّ العجب ممّن يتعامل مع نيتشه كفيلسوف، ويعتبر أفكاره أرقى ما وصلت إليه الفلسفة في العالم. الحقيقية هي أن فلسفة نيتشه، هذا إن جاز لنا تسمية تخميناته العدمية على أنها كذلك، هي فلسفة الأدغال المُوحشة بأتم معنى الكلمة.