تأخر التفكير في الدولة ودورها في العالم العربي حتى النصف الثاني من القرن العشرين، وغلبت التنظيرات المرتبطة بالقومية العربية والأمة الإسلامية على الأدبيات السياسية. وفي السنوات الأخيرة تنامى الاهتمام الفكري بدراسة الدولة ومؤسساتها وإخفاقاتها، كما تكثفت الآراء حول نشوء «الدولة الوطنية» في مرحلة ما بعد الاحتلالات؛ أي تلك الدول الخارجة من حكم الاستعمار الأوروبي، لا سيما في المشرق العربي، مع ضرورة الإقرار بالخصوصية التاريخية لبعض الأقطار العربية.لذا كان اختيارنا أن يتناول كتاب المسبار «الدولة في التنظير العربي والإسلامي: التأصيل والتحديات» (الكتاب التاسع والعشرون بعد المئة، سبتمبر (أيلول) 2017)، حضور الدولة في النقاشات الفقهية والأدب السلطاني والفلسفة، آخذاً بالاعتبار السياقات التاريخية المعاصرة، بدءاً بالخلاصات التي أرساها بعض أقطاب الإسلام السياسي (السني والشيعي) مروراً بالدولة في الفكر الليبرالي العربي، وصولاً إلى كتابات المؤرخ المغربي عبدالله العروي الذي يُعد من أبرز المنظرين لمفهوم الدولة في المجال العربي المعاصر.اهتم مجال التراث الإسلامي بمفاهيم الحكم والخلافة والإمامة، «ولم يعرف الفكر الإسلامي التقليدي -كما تبين إحدى الدراسات- المجتمع كمفهوم سياسي، ولم يعرف فكرة الدولة في ذاتها، أي الدولة ككائن اجتماعي مجرد وغير موصوف، ولم يعرف فكرة الحكومة المتمايزة عن الدولة وعن الحاكم». ويمكن تحديد خريطة التفكير السياسي في الدولة طوال عصر التدوين الإسلامي في ثلاثة مستويات: الفقه، الأدب السلطاني، والفلسفة.