إن حياة ادغارآلن بو، الشاعر والروائي والقاص، وما يتعلق به من عاداته وسلوكه وكيانه الجسمي وما يشكل مجموع شخصيته، هذا كله يبدو شيئاً معتماً ومشعاً في آن واحد.كانت شخصية بو فريدة آسرة تتميز، مثل نتاجه، بطابع من الكآبة لا حدود له، ورغم أنه كان صغير النية، مرهف الملامح، فقد ...كان أكثر من قوي، وكان البأس يتفجر من قسماته؛ كأن الطبيعة تمنح مزاجاً حيوياً شديداً وطاقات روحية لهؤلاء الذين تريد أن تأخذ منهم الأشياء الكبيرة، كما تمنح الحيوية الهائلة للأشجار التي قدر لها أن توفر إلى الحداد والألم.وإلى هذا، فالمخيلة عند إدغار ألن بو هي ملكة الطاقات الروحية، لكنه يعني بهذه الكلمة شيئاً أعظم مما يعرفه عامة القراء، ليست المخيلة التوهم؛ ليست كذلك الحساسية وإن كان صعباً تصور إنسان خيالي غير حساس، فالمخيلة الحميمية بين الأشياء، وأسرارها وتطابقها وتجانسها، وهو يمنح لهذه الطاقة أهمية ووظيفة إلى درجة أن العالم الذي يخلو منها عالم مزيف، أو على الأقل، عالم ناقص.يدخل القارئ إلى عالم آلن بو إلى عالم عبقرية التي لا مثال لها وإلى عالم هذا المزاج الفريد الذي أتاح له أن يصور بطريقة فائقة آسرة، مرعبة، كل ما هو غريب وإستثنائي في نظام الحياة والفكر، والقارئ يدخل هذه العوالم من خلال قصة بهدوء ودون عنف، ليشعر أولاً أن ثمة شيئاً جليلاً؛ ثم لتنفتح المشاهد رويداً رويداً لتكشف عن قصة تكمن لذتها كلها في زينات الذهن زيغاناً لا يُدرك، في تصور غير منتظر، في فرضية جزئية، في تهور بين مزالق الطبيعة - وهذا كله يجري في مناخات قصصية مفعمة بخريج غريب والطاقات الروحية الغريبة، تفرق القارئ ليتابع ومن خلال سرد قصصي جذاب آسر الأحداث إلى النهاية.لم يستطع أي قاص إبراز معنى اللحظة بسحر آسر كما أبرزها بو عند حديثه عن الإستثناءات والمفارقات في الحياة الإنسانية والطبيعة من خلال عباراته؛ نهايات الفصول المثقلة بالبهاء المسكر، الساعات الدافئة، الرطبة الضبابية حيث الريح الجنوبية ترخي الأعصاب كالحبال، وحيث تمتلئ العيون بدمع لا يأتي من القلب؛ التهاويل التي تفتح الطريق أولاً للشك، ثم لا تلبث أن تصير مقنعة، مليئة بالبراهين كالكتاب؛ العبث الذي يسكن في البصيرة ويحكمها وفق منطق رهيب، التهيج العصبي الذي يغتصب الإرادة ويذللها؛ التناقض القائم بين الأعصاب والفكر؛ الإنسان المتصدع إلى درجة التعبير عن الألم بالضحك.لقد استطاع بو تحليل أكثر الأشياء هروياً وتفلتاً من التحليل ريزن مالايوزن، يصف بطريقة محكمة علمية خفية، هذا العالم الخيالي الذي يتحوج حول الإنسان العصبي ويتحكم به ويقوده.هكذا تحدث بودلير عن إدغار آلن بو الكاتب... الروائي القاص والشاعر الذي وعلى الرغم من ضيق المسافة التي فصلت لحظة ولادته عن لحظة موته قدم تلك الروائع الأدبية الخالدة، منها مجموعة القصصية التي للقارئ متابعتها من خلال هذه الترجمة التي كان من أبرز قصصها قصة "القط الأسود"...قصص تمتع القارئ فيدخل في عوالم "آلن بو" ويلمح مدناً شرقية وهندسات تظهر في أقاصي آفاقه ضبابية على البعد، حيث الشمس تمطر الذهب وحيث الغرابة جزء من الجميل لا يتجزأ.لم يتحدث أي إنسان بسحر أروع من سحر حديثه عن الإستثناءات والمفارقات في الحياة الإنسانية وفي الطبيعة: - نهايات الفصول المثقلة بالبهاء المسكر؛ الساعات الدافئة، الرطبة الضبابية حيث الريح الجنوبية تُرخي الأعصاب كالحبال، وحيث تمتلئ العيون بدمع لا يأتي من القلب؛ التهاويل التي تفتح الطريق أولاً للشك، ثم لا تلبث أن تصير مقنعة، مليئة بالبراهين كالكتاب؛ العبث الذي يسكن في البصيرة ويحكمها وفق منطق رهيب؛ التهيج العصبي الذي يغتصب الإرادة ويذللها؛ التناقض القائم بين الأعصاب والفكر؛ الإنسان المتصدع إلى درجة التعبير عن الألم بالضحك.إنه يحلل أكثر الأشياء هروباً وتفتلاً من التحليل، يزن ما لا يُوزن، يصف بطريقة محكمة وعلمية مخيفة، هذا العالم الخيالي الذي يتموَّج حول الإنسان العصبي ويتحكم به ويقوده.هذا الشخص الذي اجتاز الأعالي الفنية الوعرة، وغاص في مهاوي الفكر الإنساني، واكتشف، عبر حياته الشبيهة بالعاصفة التي لم تهدأ، طرائق جديدة وأشكالاً مجهولة، لكي يدهش الخيال ويروّي العقول الظامئة أبداً إلى الجمال؛ - هذا الشخص مات فوق أحد المقاعد في الشارع، عام 1849، وكان عمره سبعة وثلاثين عاماً.
