عبَّرت قصيدة النثر بدقة عن بنية التحولات النفسية والموضوعية لإنساننا المعاصر، فلو افترضنا جدلاً أنَّ كل ما يحصل من حولنا الآن يتحرك نحو إنسانية كونية ومعرفية شاملة؛ لما أمكننا تصور أن يظلَّ الشاعر يتَّبع نظاماً تقليدياً في التعبير عن ذاته التي بدأت تتعقد في محيطها الحياتي، بينما تتغرب القيم والعادات والتقاليد التي كانت سائدة بقوة مع سيادة النظام التقليدي في القصيدة الكلاسيكية على سبيل المثال. فقصيدة النثر شكلٌ غير اعتباطي؛ بل هو نظام معرفي وتكويني يمزج بين فنون الأداء الكلامي؛ الشعر أولاً والنثر ثانياً. لذا لم يعد شكل القصيدة هو تاريخ الحكم عليها بالجودة أو الرداءة؛ بل صار وعي الشاعر بذلك الشكل هو معيار الحداثة الذي تفرضه تجديدية اللغة. والمنهج الذي اتُّبِعَ في هذه الدراسة هو تتبع المدارس النقدية المختلفة التي تفرضها بنية النص شعراً كان أم نثراً، وهذه المدارس ليست قواعد ضاغطة بقوة على النص النقدي؛ بل إنها طرائق للتحليل وقراءة النصوص.