تسعى هذه الدراسة إلى تعميق النظر من زاوية تحليلية ونقدية في تجربة المراجعات التي أعلنت حركة النهضة أنها قامت بها منذ مؤتمرها العاشر في عام 2016؛ فقد روجت الحركة لخطاب يقوم على إعادة التموقع الأيديولوجي خارج إطار الإسلاموية، وفك الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين، ووضعت في استراتيجية هذا الخطاب عنوانين براقين: الفصل بين الدعوي والسياسي، والإسلام الديمقراطي أو المسلمين الديمقراطيين. واعتمدت الدراسة منهجاً ينهض على مراحل ثلاث؛ وضعت الأولى تجربة المراجعات في سياقها التاريخي، ما يسهم في فهم دوافعها وأطرها الوطنية والإقليمية والدولية المحددة، وهو ما يكشف واقع الإكراهات والضغوطات التي حُفت بها. والثانية حاولت سبر أغوار دلالة تلك المراجعات من خلال تحليل خطاب حركة النهضة وتفكيك عناصره الأساسية. والثالثة كشفت حدود تلك المراجعات وما اكتنفها من ثغرات ومطبات معرفية وأخلاقية، من خلال الحفر في طبقات ذلك الخطاب في مستوى ما صرح به وما سكت عنه. وحاولت هذه الدراسة بيان حدود مفهوم المراجعات في تجارب الحركات الإسلاموية، وأنه لا يفي بالحاجة حتى تتخلص تلك الحركات من عقال أطروحاتها الأيديولوجية التي تشكل، مثلما يجلوه تاريخها، تحدياً فكرياً للعقل العربي الإسلامي في سعيه إلى الحداثة الفكرية، وتهديداً وخطراً على استقرار المجتمعات والدول، وعائقاً يحول دون سعيها إلى اللحاق بركب الحضارة الإنسانية والإسهام في رقيها وتقدمها.
