تنطوي وجهة نظرنا الأساسيّة في هذا الكتاب، على أنَّهُ يتوجّب التَّأكيد وبِمَا لا يدعُ مجالاً للشكِّ، على عمق الكثير من الأفكار سواء تبنيناها أَم لم نتبناهَا. وواحدة من تلك الأفكار، ما جادت بهِ قريحة المفكّر الإيطالي مكيافلي والمتمثِّلة بالنّسق الجدلي وخصوبة الأفكار المؤثّرة على الحداثة وما بعدها.ومنّيتُ نفسي أَنْ يكونَ هذا الكتاب إسهاماً بسيطاً بِرَفْدِ المَكتبة العربيّة بمادّةٍ ضروريّة ومُهمّة في الفلسفة السياسيّة، ويلوح لي أنَّ من أولويّات التقديم لهُ، هو التعريف أولاً: بعنوانِهِ، فَالمكيافيللية مصطلحٌ مشتقٌّ من اسم المُفكّر (مكيافلي)، والذي يشير في الغالب إلى منظومةِ الأفكار والوسائل الأخلاقيّة التي يَجِبُ أنْ يتّبعها الحاكمُ لِتساعدهُ في تثبيت دعائِم مُلكهِ والمحافظة على دولتهِ مِنَ الانهيار، إذ قام مكيافلي بالفصل بين الأخلاق والسياسة، بل جعل للسياسة أخلاقيّاتها الخاصّة.ولِتأكيد فرضيّة البحث المتمثّلة بأثر المكيافيللية على مجمل الفلسفات السياسيّة العالميّة، ارتأينا أن يقتصرَ البحث على الفلسفة السياسيّة الغربيّة، وآثرنا عدم التوسّع في اختيارِ عدد كبير من الفلاسفة، فاكتفينا بنماذج لأهمِّ الشخصيّات التي كان أثر فكر مكيافلي واضحاً عندها مع تجنّب الإطالة.