:من خلال إطلالة سريعة على محتويات هذا الكتاب يلحظ القارئ المعالم الرئيسية لمحتواه في عناوين فصوله ومحاوره في ارتباطها الوثيق بقضايا التعليم والتعلم، واقتحامها فيما يشغل المعلمين والتربويين والمعنيين بجودة التعليم وحيويته في سياساته ومؤسساته وممارساته، ويزخر عرض هذه القضايا بما أنضجته رؤى فريري الفلسفية والسياسية، وبما ترسخ في ...خبراته من ممارسة العملية التعليمية ومشاهدة مواقعها العيانية في المدرسة، ولدى تعليم الأميين والجامعيين، وما شارك فيه من حوارات حول دور التعليم وخياراته بين أن يكون أداة للقهر أو طاقة للتحرر.وينتقل بنا المؤلف في قضاياه بين موضوعات المعلم، والطالب والتدريس، والتعليم، والبحث، والتفكير الناقد، والحرية والسلطة، والهوية الثقافية، وإشكالية الذاتية والحيادية والموضوعية والتحيز في فهم الواقع، وإمكانات التدخل فيه لتغييره.ولعنوان الكتاب مفردات توابع، هي الأخلاق والديموقراطية والشجاعة المدنية، وكل منها يعتبر من مكونات (تربية الحرية). ويتميز الكتاب من بين معظم كتابات فرير الأخرى بأنه يتحدث فيه عن نفسه كمعلم، وعن قناعاته الراسخة بالنسبة لموقفه من طلابه، مزدرياً كل توجه نحو التسلط وامتلاك الحقيقة القطعية في السياسة والمعرفة، بغض النظر عن إيديولوجية اليسار أو اليمين أو الحياد. وهو يتوجه في فصول هذا الكتاب ومحاوره مخاطبا المعلم بصورة مباشرة من خلال تجاربه ومفاهيمه، ضارباً الأمثلة من الممارسات التعليمية، وأنماط العلاقات الأسرية، وتأثير وسائل الإعلام وغيرها من العوامل المجتمعية.-التربيـة.. ذلك العالم الرحب الفسـيح..الذى يعمد فى تشكيل ملامحه إلى أصعب مكون عرفتـه منظومة الحياة ذاتها على الأرض ..إنه مكون"الإنسان"، رأس قائمة هذه المنظومة بكل ما تحتويه من معطيات و مفردات. فلا غـرو أن يـأتى كتابنا معنوناً بـ" تربيـة الحريـة".. فالحرية كذلك هى رأس قائمة منظومة الإنسـان ... و عندما يتعـانق رأسـا القائمة فى تطبيـق عملـى صـريح.. تأتى النتائج ـ بلا شـك ـ مؤكـدة قيمة كل منها فى رحلة إعمـار الأرض .. التربيـة و الحـريـة ..و تتصـارع فى ثناياهما، قضيـة شغلت بـال الإنسـانية زمنـاً طـويلاً: هل هى حرية التربية أم تربيـة الحرية؟ و كيف تشكل الحرية وعـاً لعطـاء تربوي؟! يقـول مؤلف الكتـاب.. لا يصبح أحد فجـأة ناضجاً فى الخامسة و العشرين من عمره، ذلك أننا نصبح ناضجين مع كل يوم يمر علينا... إن الاستقلالية عملية نضج أى عملية تشكيل الوجود، و هى لا تحدث فى وقت معـين... كما أنها رهينـة بالخـبرات التى تثير اتخاذ القرار و المسئولية .. هذه هى نقطة انطلاق هذا الكتاب الذى بين أيدينا ـ أى كيف تمتزج تربية الحرية بمكوناتها المتمثلة فى الأخلاق و الديمقراطية و الشجاعة المدنيـة لتشكل سبيـلاً ممهـداً لتحقيق الحلم بمجتمع جديد، مجتمع يؤمن برؤية الإنسـان و قيمته و قدرته على أن يصنـع تاريخه، أكـثر بكـثير ممـا يصنعـه التاريخ..يقـع الكتـاب فى أربعة فصـول ، و هو جزء من "سلسلة آفاق تربوية " و هو يشكل فى مضمونه سبيكة معرفية نفسية تتشابك فى صياغتها المنهجية العلمية و الجمالية و الإبداعية و إدراك بعيد المدى لمعالم و أشكال المعرفة و الخبرة الإنسـانية ، و احتياجها الملــح للنقـد الدقيـق و الاختيـار الأكـثر دقـة لتكتمل مسيرتها...