-ليس هناك ما يدلل على أهمية هذا الكتاب، سواء للمتخصصين أو غيرهم من راغبي العلم والمعرفة أكثر تحديدًا ودقة من هذه المؤشرات الثلاثة.. أول هذه المؤشرات أنه يتحدث عن تاريخ الثقافة، وهذا يشكل مجالاً ثريًّا تفتقر إليه المكتبة العربية تأليفًا وترجمةً، سواء ما اتصل منه بتاريخنا القومي أو تاريخ العلم. ...وثاني هذه المؤشرات أن الكتاب دفاع مجيد، ومجابهة علمية بحثية لدحض أفكار جانَبَها الصواب وسادت، بفضل ما روجته لها مدرسة الاستشراق التقليدية عن تاريخنا ومجتمعنا القومي آنذاك.. وثالثها: مكانة مؤلفته، المؤلفة المصرية المرموقة، التي تعد من بين نخبة المتخصصين في تاريخ العصر العثماني على المستوى الأكاديمي العالمي. ويقع كتابنا المتفرد هذا في خمسة فصول، تتناول، في مجملها، مجتمع الطبقة الوسطى في القاهرة في القرنين السادس عشر والثامن عشر الميلاديين، مستعرضًا ثقافة هذه الطبقة وتعليمها، والكتب التي كانت محل اهتمام وتداول فيهما، وكيف يمكن أن نصوغ هذه الثقافة صياغة حقة، وما موقف المثقفين الراديكاليين من ثقافة الأزمة.. ثم يختتم بحصاد للدراسة، يبين فيه الخلاصة والقول الفصل في حقيقة هذا المجتمع وأبعاد ثقافته.. إن الكتاب يجمع بين خصوصية التلقي وعمومية الاهتمام.. ذلك الجمع السلس الذي يجعله مقصدًا لقراء كثيرين.
