في الزمن السحيق، قبل أن يغزوا البشر الأرض ويقيموا ممالكهم، كانت موازين القوة بيد شعوب أخرى، حكمت وسيطرت لفترة طويلة، قبل أن تضيع أخبارها بسبب غرور البشر وحقدهم، أعداء أنفسهم إن لم يجدوا لهم عدواء الذين تناسوا تسلسل التاريخ عمداً، وزيفوه بما يتناسب مع أهوائهم عندما آلت إليهم مقاليد الأمور، حتى اختفى تدريجيا أثر الأمم السابقة، ولم تبق إلا القصص المفبركة والضعيفة ليسمعها الأحفاد عن ماضي أجدادهم، ولكن الحقيقة ستظل موجودة دائماً، محفوظة ومحمية في سجلات ألواح أكاسا السرية، التي تضم سجل أحداث التاريخ الكامل للأرض، والشعوب والكواكب، والكون منذ نشأته وحتى يومك هذا الذي تقرأ فيه. من سجلات المكتبة الأكاسية، نقل إلينا هذا الكتاب قطرة من بحر التاريخ المفقود للأرض، ومن هذا الجزء الصغير، سنتعلم أن التاريخ ليس عبارة عن أحداث عظام وصراعات وحروب فقط، إنه كنز من المعرفة، جواهره أحاديث عابرة، ابتسامات، حسرات، تساؤلات، نظرات وأحاسيس سرت في داخلنا منذ الأزل، لنقرأها ونشعر بها، ونتعلم منها ما يستحق أن يستحوذ على مشاعرنا وأفكارنا؛ لأن ما يستحوذ علينا سيكون شخصياتنا. ومن خلاله ستبصر، وبه سنصمت ونتكلم. أعظم بناء بناه الأولون، ساعدهم على التطور ومواجهة الشر، هو بناء الإنسان بكل تفاصيله التي لا يكتسبها بمجرد ولادته بشرأ بلحم ودم؛ فالجسد يعتنى به ويدرب، والمشاعر تهذب ويتم توجيهها، والأخلاق تكتسب، والأفكار النيرة تزرع لتبدأ صغيرة ومن ثم تكبر لتجابه الشر الذي قد يكون همجيا، غبياء وحشيا، عشوائيا ومتطرفا، ولكنه منظم في الخفاء، ويدار بواسطة عقول فذة. الأسئلة كثيرة، والأجوبة قليلة، وحكايتنا قديمة...
