المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .أما بعد: فإن الإيمان نصفان نصف ،شکر و نصف صبر، وذلك أن ما يلقى العبد لا يخلو من نوعين :جميع الأول : النعم التي أسبغها الله على عبده ظاهراً وباطناً، فهو محتاج إلى ذكرها وشكرها والتحدث بنعمة الله عليه فيها، فلا يركن إليها، ولا ينهمك فيها، ويراعي الحقوق ؛ فيعطي كل ذي حق حقه، فهذا مقام الشكر . الثاني : المصائب التي تحيق بالعبد ؛ فتأخذ الأحبة، وتهلك الأموال، وتضعف البدن وتهزم الملذات والشهوات التي زينت للناس؛ فهو محتاج إلى تلقيها بالرضى؛ فلا يجزع ولا يسخط ولا يشتكي وينتظر الفرج والعوض من الله، وهذا مقام الصبر.ولما كان الأمر كذلك كان حقيقياً على من نصح نفسه، وأحب نجاتها، وآثر سعادتها أن لا يهمل هذين الأصلين العظيمين ولا يعدل عن هذين الطريقين القاصدين، وأن يجعل سيره إلى الله بين هذين الطريقين؛ ليجعله الله يوم لقائه مع خير الفريقين (۱) ..وحتى تتضح الحجة وتستقيم المحجة لطالبي عليين ؛ فلا بد من بيان هذين الصابرين المقامين العليين، والمقصَدَيْن الأَسْمَيين؛ فوقفت على كتاب (عدة (1) وذخيرة الشاكرين الشيخ الإسلام الثاني والإمام الرباني ابن قيم الجوزية، فوجدته قد جمع مفردات هاتين المسألتين جمعاً وافياً لم يسبق لمثله، ولم يلحقه من بعده، وألفيتها موسوعة تربوية شاملة في من صدق مؤلفها في وصفها حيث قال :مقامات الدين ودرجات اليقين، وتيقنت فجاء كتاباً جامعاً حاوياً نافعاً فيه من الفوائد ما هو حقيق أن يُعض عليه بالنواجذ، وتثنى عليه الخناصر ؛ ممتعاً لقارئه، صريحاً للناظر فيه، ومسلياً للحزين ومنهضاً للمقصرين ومحرضاً للمشمرين مشتملاً على نكات حسان من تفسير القرآن وعلى أحاديث نبوية معزوة إلى مظانها، وآثار سلفية منسوبة إلى قائلها، ومسائل فقهية حسان مقررة بالدليل ودقائق سلوكية على سواء السبيل، ولا تخفى معرفة ذلك على من فكر وأحضر ذهنه، فإن فيه :ذكر أقسام الصبر ووجوه الشكر وأنواعه . وفصل النزاع في التفضيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر .وذكر حقيقة الدنيا وما مثلها به الله ورسوله والسلف الصالح، والكلام على هذه الأمثال ومطابقتها لحقيقة الحال .وذكر ما يذم من الدنيا ويحمد، وما يقرب منها إلى الله ويبعد، وكيف يشقى بها من يشقى، ويسعد بها من يسعد .