لم يكن الغرض من البحث المنجز في هذه الدراسة محاكمة من سبقنا من أهل الاختصاص في اللغة، فجهودهم التي بذلوها كان – وما-يزال – لها فضل كبير في الحفاظ جزء كبير من لغات العرب وظواهرها، آخذين بعين الاعتبار أن تلك الجهود كانت فردية في الغالب، وأن الإمكانات التي تيسرت لهم ليست كالمتوفره حاليا للباحثين. ولذلك لم تكن جهودهم كاملة، ولم تصل إلى ماوصلت إليه الدراسات والنظريات اللغوية الحديثة في طريقة تعاطيها من جمع اللغة وتوثيقها ودراستها. لقد تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أنه برزت عند العرب منذ عصر ما قبل الإسلام، ظاهرة الثنائية اللغوية، التي مضت فيها لهجات مختلف القبائل إلى جانب لغة أدبية رفيعة مشتركة بينهم، ولم يستطع أى منهما أن يلغي الآخر أو يهمشه، كما كان لكل منهما وظيفته في الحياة والمجتمع. واليوم، يتبين لنا النقص الكبير الذي يعتري لغة البيئات العربية خارج بيئة البداوة التي اقتصرت عليها جهود جمع اللغة في الماضي، من خلال هذا المبحث الذي تقصي إحدى هذه البيئات، وهي البيئة البحرية التي أصبحت في حاجة ماسة إلى رد الاعتبار إليها ولأهلها باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من بحر اللغة العربية المليئة بالمفردات التي لا يمكن حصرها.