دراسة الطب وممارسته فرصة عظيمة تدعو إلى التأمل والاقتراب بشكل مباشر، ليس فقط من المرضى، بل أيضًا من أسرهم والمرافقين لهم في رحلات العلاج. يعتقد البعض أن تخصص الأمراض النفسية هو الأوحد الذي يتيح للطبيب هذه الفرصة النادرة، ولكن من وجهة نظري، أيًّا كان التخصص الطبي فإن الاقتراب من البشر في لحظات الضعف بسبب المرض أو العوز يجعل من النفس البشرية تكاد تكون كتابًا مفتوحًا للطبيب أيًّا كان تخصصه، ودون أن يشعر يجد نفسه طرفًا في أحداث كثيرة تجعله شديد الحساسية لما يراه ويستشعره في ذلك العالم الغامض والمليء بالمعاناة والألم والوهن والانكسار . الرغبة في تصوير أو تجسيد أو حتى التنويه بتلك المآسي قد يكون دائمًا كامنًا لدى كل طبيب، ولكن ضيق الوقت وأحيانًا ضعف القدرة على السرد أو التعبير قد يجهض اكتمال أي مشروع روائي أو أدبي لدى الكثير من الأطباء . لا نستطيع أن نغفل أن مجتمعات العيادات والمؤسسات العلاجية بالرغم من أنها مفعمة بالكثير من المآسي والتراجيديا فإن شر البلية ما يضحك أحيانًا، إذ إنه في خضم تلك الأحداث قد تولد مواقف لا يسعنا إلا أن نقف أمامها ونبتسم، وربما نضحك أيضًا، لأنها قد تكون عجيبة وربما غريبة، ولا يمكن أن نشهدها إلا في تلك الأماكن، وإذا لم يستطع الطبيب أن يدونها كتابة، فهو بالتأكيد سوف يحكيها لذويه وأصدقائه، لأنها فعلاً مواقف فريدة وتداعب العقل والوجدان وتلهب قريحة الشعر لدى الطبيب الشاعر الموهوب.
