اختلف كثير من الباحثين والدارسين الذين تناولوا نظرية النحو العربي في بيان مكانة "المعنى" في هذه النظرية، وفي جلاء دوره في بناء أبعادها العامة وأصولها المنهجية وضوابطها النظرية: فمنهم من رأى أن نظرية النحو العربي قامت على أساس شكلي خالص، يتخذ من العلاقات التركيبية بين العامل والمعمول منطلقاً لوصف العربية وتقعيد قواعدها من دون نظر إلى المعاني الثاوية وراء ظاهر التركيب أو اعتداد بتأثيرها في الوصف والتحليل والتقعيد. وهذا الأمر -إن حدث- فإنه يقع لماماً في إشارات عابرة لا تعكس رؤية واضحة أو منهجاً محدد الملامح. ومنهم من رأى أن المعنى كان حاضراً حضوراً قوياً في مصنفات النحاة، وأن كثيراً من آرائهم وأصولهم اتخذته أصلاً نظرياً عاماً تبنى عليه القواعد وتصاغ -استثناساً به- الأحكام. وهذا الاختلاف يعكس عدم وضوح في الرؤية وشيئاً من التساهل في الحكم، ويسوّغ تناول هذه القضية بالبحث بوضعها موضع السؤال والاستقصاء. فأين يقع المعنى على اختلاف مستوياته وأقسامه في بناء نظرية النحو العربي؟ وما دوره مقارنة بالضوابط اللغوية الأخرى كالإعراب والموقع والبنية؟ وهل عرف النحاة أشكالاً مختلفة من المعنى كالمعنى الصرفي والمعنى النحوي والمعنى النحوي والمعنى العجمي ومعنى التركيب، ومعنى المقام؟ أو أنهم لم يميزوا بينها فغابت عنهم الحدود وتداخلت عندهم المعاني؟