بعد كتاب “الجانب الديني للفلسفة” سيمفونية فكرية رائعة متكاملة الأنعام، تعزف ألحانها في تسلسل محكم وممتع في الوقت نفسه يستمتع بها المتخصص وغير المتخصص في الفلسفة. فيجد القارئ غير المتخصص الحس الموسيقي المرهف، والدين الطبيعي الخالص الذي يشيع كل حاجة فكرية ويجد الدارس المتخصص فيه بغيته من استدلال محكم خال من التناقض، ونقد وتحليل الطبيعة المثل العليا. والنظريات التي تفسر العالم والكتاب في عجالة، قد يعرف القارئ تفصيلاتها فيما بعد. ينقسم إلى جزئين رئيسيين يتناول الأول منهما البحث في طبيعة المشكلة الخلقية، والمثل العليا التي نحيا بها وتحتك بها في حياتنا اليومية فيدرس موقف الفهم العام والفلسفات من النظرية الأخلاقية ويناقش الفلسفات التي قالت بالواجبات الأخلاقية والضمير وينتهي إلى حالة من الشك، تدفع الإنسان إلى التشاؤم الخلقي. فلا يستطيع التياران الرئيسيان في الفلسفة أي تيار الواقعية وتيار المثالية حسم المسألة الأخلاقية، فيوجد الواقعي بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون ولا يعبر والمثالي الا عن رغبات شخصية يصعب إثبات واقعيتها وصحتها دون الوقوع في التناقض ولا تصلح مناهج العلم في تحديد المثل الأعلى وإن كان العلم وأدواته بعد من أفضل الوسائل لتحقيق هذا المثل الأعلى بعد اكتشافه يكتشف رويس” حقيقة كامنة في قلب الشك الخلفي والتشاؤم فتظهر البصيرة الخلقية التي ترشيد الإنسان نحو المثل الأعلى الذي يسعى لتحقيق الانسجام بين غايات الأفراد، وبين الإرادات المتصارعة وتحديد الواجبات الخلقية، وينتهي الجزء الأول من الكتاب بالتساؤل حول المطلب الإنساني الأولي عن ما هو الدليل على صحة هذا المثل الأعلى؟ وهل هناك حقيقة دينية تسكن العالم وتؤكد للفرد أنه يسير في الطريق الصحيح؟
