إن هذا الإصدار يجد تبرير تحيينه على ضوء الأحداث المأساوية التي عاشتها البلاد طيلة العشرية الأخيرة من القرن العشرين وبالفعل، فمن البديهي أن تستوقف المأساة المعاشة في الحاضر، وبقوة، الماضي القريب للبناء الوطني، والماضي الأبعد للمطالبة الوطنية. ألم ينجب "زمن اليقين" وبالدماء والدموع زمن الححود والشكوك؟ إنه سؤال خطير يطرح ...على الضمير الوطني، ضمير جريح أولى على نفسه، وكضرورة، القيام بمراجعة عميقة لذاته وبتحديد دقيق وبدون تنازل للمسؤوليات. فهناك الكثير من الخسائر التي لا يمكن تعويضها، وهناك الكثير من المساس بالأمن والكرامة الوطنيين، والتي لا يمكن بأية حالة من الأحوال أن تحسب كمجرد "أرباح وخسائر"، ويتعين استخلاص الدروس، بشجاعة ووضوح، من هذه المرحلة القاتمة من التاريخ الوطني قصد العمل على التئام الجراح العميقة والوقاية من كل خطر الانتكاسة.ويتعين في غضون ذلك، استعادة مرجعيات المجتمع الجزائري باعتباره أمة، والتي أقامها طيلة مساره التاريخي، وخصوصاً أثناء المرحلة المؤسسة لكفاحه التحريري. فمن هذا المنظور تجد إعادة الإصدار هذه مبررها الملائم وتساهم في هذا التوضيح الضروري الذي يعيد للعنف التحرري وذلك البعد السياسي والاخلاقي والحضاري، والذي مكنه من الارتقاء إلى العالمية. إنها بالفعل تلك المرجعيات التي تمكن البلاد من الابتعاد عن الغرق واستعادة طريقها وتحقيق "التراكم التاريخي" الضروري باعتباره ضمان وثبتها وازدهارها.إن جزائر التحديات تبقى أكثر من أي وقت مضى حاضرة وتسعى بعزم لمواجهة العداون عن طريق اغتراف طاقات نهوضها من قيمها التأسيسية. فإرادة الحياة قد استطاعت هكذا أن تنتصر على غريزة الموت. وهناك رجال ونساء على وجه الخصوص، يتسمون بشجاعة رائعة هبوا لإعادة بناء ما تم تخريبه، ولتسيير المدارس والجامعات والإدارات والمصانع، وبكلمة واحدة لبعث الحياة والحركية في مجموع البلاد بالتصدي يومياً للتهديدات ومخاطر الموت.ومثل هذا العناد يستمد طاقته وإلهامه من منابع الوطنية أثناء المرحلة الطويلة للمطالبة. ويحث هذا الكتاب على مثل هذا التجذر، ولعله يساهم بقدر متواضع في تذكير الذاكرة الجماعية بالآمال الجميلة التي يحملها "زمن اليقين" هذا والمعروضة لقراءة نقدية.