يقول الكاتب الروسي أنطون تشيخوف: الشيخوخة هي أن تتحول من إنسان يحلم إلى إنسان يتذكر. هذا القول على أهميته لا يحسب حساباً للفترة الزمنية التي تفصل بين الحلم والذكرى والتي قد تستغرق القسم الأعظم من العمر كله. إنها فترة التحدي وتقليع الأشواك لشق الطريق على أمل الوصول إلى الحلم الموعود. قد يكون الحلم، وهذا من طبيعته، نوعاً من السراب الذي يبتعد كلما خيل إليَّ أنني أقترب منه. غير أن هذا ليس له كبير أهمية، فالطريق في النهاية هي الهدف.إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتذكر إلا ما صنعه، فإن الذاكرة، هذه الملكة العجيبة، تظل أوفى الأصدقاء وأكثر المحبين غيرة على مصيرك. فهي تعيد إليك الحياة التي أضعتها في زحمة الشوارع وقسوة المتجبرين، ليس كما كانت ملطخة بالمهانة والرغام. بل منزوعة الأشواك، يفوح العطر من أرجائها. وإذا جاء الزمن حاملاً أدواته، وقد اعتاد أن يمحو كل شيء يقف في طريقه، فإنها تتصدى له وتلوي عنقه ثم تقول لك: هذه هي حياتك وهي ملك يديك. وأنا الحارس الأمين عليها. وإذا أردت أن تصنع منها لوحات فنية، فهذا شأنك شريطة أن تكون قادراً على ابتكار العالم الموازي الذي يزدهر فيه الحب حتى في عالم الشقاء، وتخضرّ فيه أعواد الريحان حتى لو هبت عليها رياح الصحراء.
