السودان، هذا القطر المتربع في قلب القارة السمراء، الذي يحتل مركز مميزًا في جغرافية وتاريخ العروبة والإسلام، فهو موطن لعدد كبير من القبائل والأعراق، التي ترجع أصولها إلى الحجاز، مهد الدعوة الإسلامية، فهو معبر للهجرات الدينية والتجارية بين أقصـى أركان القارة الأفريقية، وبلاد الشـرق عامةً، وأرض الحجاز بوشائج متينة لا تنحل. هذا الكتاب يكشف التاريخ الذي يجمع بين مصر والسودان، ويميط اللثام عن الحوادث المشتبكة الضاربة في جذور التاريخ للسيرة المشتركة للقطرين الشقيقين عن عُمق وحدة الدم والمصير المشترك، وأن ما يجمع بينهما أكثر بكثير مما يفرق، وأن ما يباعد بينهما من كيد عدوهما، فالسودان خاصرة مصر الجنوبية، وعمقها الاستراتيجي، وشريان حياة؛ ومصر بالنسبة للسودان ليست محض كتلة جغرافية صماء تقع في شمالها، بل في حقيقتها امتداد حضاري ثري، ومخزون للقوة لا ينضب يستدعى وقت الملمات والمهمات، فحقيقة الأمر أن السودان يحيط بنا أينما حللنا، ونراه ماثلًا أمامنا أينما توجهنا، ونحس بوجوده في كل مرافقنا؛ فقد ملك علينا مشاعرنا، وارتبطت به اقتصاداتنا، واتصلت به مصائرنا. في هذا الكتاب نسلط قبس من ضوء على معالم رئيسية في تاريخ السودان من بواكير التاريخ حتى نهاية القرن العشـرين، وأثر الهجرات المتنوعة ونشأة الدويلات العربية الإسلامية، وتطور نظمها من إقطاعية مطلقة إلى إقطاعيات قبلية، ومطامع القوي الاستعمارية في ثرواتها الطائلة، التي جعلتها مطمعًا ومسرحًا للصراعات؛ وفي تسليطه الضوء يمر أحيانًا إلماحًا، وتارةً إلمامًا، فيطيل السرد والبحث وإعمال الفهم في مجرياتها المتشابكة والمعقدة. والمكتبة العربية تزخر بكثير من المصنفات التي تعود إلي قرنين مضوا لكن يتميز هذا المصنف بكونه يحيط بعين الخبير بسردية العلاقة بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، ويقف علي ما انتهي الحال به في بلد تنازعته الأهواء والصراعات بما يدمي قلب كل غيور على أمة العروبة في كل مكان.
