هل عرف العراقيون القدماء “الفلسفة”؟ وأين وما هي فلسفاتهم؟ ثم كيف نفهم شبه اجماع مؤرخي الفلسفة على الإقرار بـ”معجزة اغريقية” في ولادة الفلسفة، واعتبار كل ذلك الفكر الشرقي الضخم والعبقري الخصب الذي سبقها مجرد “حدس اسطوري” او “بناء تخيليّ” لا أكثر؟لقد قادنا البحث الى الاستنتاج الواثق ان مصطلح “فيلو سوفيا” في اللغة الاغريقية ذاته، اي “حب الحكمة”، بابلي الاصل شكلاً ومضموناً. وهو ما يؤكده افلاطون باعتباره كلمة سوفيا ليست اغريقية الاصل بل هي “من أصل أجنبي”، وبابلي على الارجح فيما يخبرنا المؤرخ الاغريقي ديوجينيس اللائرتي، ان أول من اخترع مصطلح “فيلو سوفيا”، لم يكن الا فيثاغورس نفسه ناقل النظريات البابلية في الهندسة والرياضيات والفلك الى بلاده، والقادم للتو من الاقامة والدراسة نحو اثني عشر عاما في بابل، تلك الحاضرة التي كانت تقدّس “إله الحكمة” أيا. وفي كل الاحوال، لدينا ما يثبت ان مفهوم “المعجزة الاغريقية” هذا مفهوم “ايديولوجي” لا اكثر وحديث.هذه هي المحاور الكبرى التي يتعمق فيها هذا الكتاب ساعياً الى تقديم اجابات جديدة على اسئلة قديمة جدا حول ذلك الفكر الفلسفي الذي اسميناه “البابلي” لكون الحقبة البابلية لحظته العليا والاخصب والاكثر توثيقا حتى الآن.