أقف قرب جسدي، يبدو ناصعاً وجميلاً، ممدداً في وحدته. لا بد وأن أكون قد مت، ذلك أن تراباً كثيراً كان قد ترك قربي، تراباً ناعماً أحمر، لم أكن في كفنٍ، كنت أرتدي فستاناً جديداً أعددته لعيد الأضحى الذي كنا ننتظره أنا وأختي مريم قبل أن تحل علينا الكثير من المصائب، كنت أقول لها ونحن عند الخيّاطة: لا تُقَلدي ثيابي، فهي للحظة لا يمكن لك أن تعرفيها، لقد فصلّتها لتلائم هذا الوقت الذي أتمدد فيه ألآن. أتمدد، وأبصر كل شيء من حولي. أحسُ بالمكان الذي كان معتماً من قبل وهو يتسع أمام حواسيّ المتفتحة. ترابٌ ناعم ورّطب. أوراق شجر اللوز الصفراء التي تسوقها ريح خفيفة، قرب جسدي الممدد. الشجرة الضاربة بجذورها في هذه الأرض، جذعٌ ميتٌ، أغصان عارية تتحرك برفق كلما داعبتها الريح. في الأفق تبدو مقبرة المحرق ناهضة بعظام موتاها، وأنين قبورها عن سطح الأرض المنبسطة. خلفها تبدو أسوار قاعدة الانجليز العسكرية وهي تحرسُ مطار المحرق الصغير.