يعنى سوسيولوجيا العقل الأمني بالمعرفة والممارسات الأمنية وما يؤطرهما من نظم وتنظيمات ذات محددات فقهية وعقدية وعرفانية ومُثل أخلاقية وتمثلات مجتمعية حول الجريمة، سرقة وحرابة، وعليه فإن مفهوم العقل الأمني في هذا الكتاب يجمع بين الفكر والأداء الأمنيين وتأثرهما بالسياق الاجتماعي والثقافي. وبين التجربة الأمنية والكتابة عنها من جهة أخرى فإن العقل الأمني في تقديرنا هو أسلوب في تدبير ظرفية الاختلالات الأمنية بالمدن حيث الدولة، ومثيلتها البنيوية بالمسالك خارج أسوار الحواضر حيث الزعامة القبلية والولاية الصوفية، وتتوارى خلف هذه الوظيفة المجالية للأمن سياقات وأنساق موجهة للمؤسسات والممارسات والعلائق والتراتب الاجتماعي والعوائد والأعراف والمواقف والقيم والرموز، مما يجعل هياكل البناء متساوقة مع آليات الأداء في التصدي للصوصية والحرابة في المشهد التاريخي للغرب الإسلامي. ونحسب أن لهذا المفهوم الذي أكسبناه للعقل الأمني بعدا وظيفيا في البحث التاريخي: لأنه يفيد في تعقب التحولات التي همت النظم المتعلقة بالأمن، والتمييز فيها بين البنيوي والظرية والحدثي، حتى تتمكن من التوفيق بين سكون البنية وحركية النظم الأمنية. واستيعاب وظيفية الأمن ورمزيته على أساس منهجي ورؤية تفصل بين القراءة الداخلية للممارسات والنظم والتنظيمات الأمنية، والقراءة السياقية والعلائقية التي تدمج ذلك كله في بنية السلطة والرأسمال الرمزي للنخب والمعاش اليومي لعموم الناس”.
